سورة المائدة - تفسير تفسير الماوردي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المائدة)


        


قوله تعالى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ} يعني ما بحر الله من بحيرة، ولا سيب سائبة، ولا وصل وصيلة، ولا حمى حامياً.
روى أبو صالح عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأكثم ابن جون: «يَا أَكْثَمُ رَأَيْتُ عَمْرو بْنَ لُحَيِّ بْنَ قَمْعَةَ بْنَ خَنْدَف يَجُرُّ قَصَبَهُ فِي النَّارِ، فَمَا رَأَيْتُ رَجُلاً أَشْبَهَ بِرَجُلٍ مِنْكَ بِهِ، وَلاَ بِهِ مِنْكَ» فقال أكثم: أخشى أن يضرني شبهه يا رسول الله، فقال: «لاَ إِنَّكَ مُؤْمِنٌ، وَهُوَ كَافِرٌ، إِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ غَيَّرَ دِينَ إِسْمَاعِيلَ، وَبَحَرَ البَحِيرَةَ، وَسَيَّبَ السَّائِبَةَ، وحَمَى الحَامِي».
ومعنى قوله يجر قصبه في النار، يعني أمعاءه، والبحيرة: الفصلة من قول القائل، بحرت أذن الناقة إذا شقها، ومنه قول الأبيرد:
وأمسى فيكم عمران يمشي *** كأنه جمل بحير
وقد روى أبو إسحاق عن أبي الأحوص عن أبيه قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم: «أَرَأَيْتَ إِبلَكَ تَكُونَ مُسَلَّمَةً آذَانُهَا فَتَأْخُذَ المُوسَى فَتَجْدَعَهَا تَقُولُ هَذِهِ بَحِيْرَةٌ، وَتَشُقُّونَ آذَانَهَا تَقُولُونَ هَذِهِ بَحِيْرَةٌ»
قال: فإن ساعِدَ الله أشدُّ، وموسى الله أحد، كل مالك لك حلال لا يحرم عليك منه شيء.
وفي البحيرة ثلاثة أقاويل:
أحدها: أن البحيرة الناقة إذا ولدت خمسة أبطن، فإن كان الخامس ذكراً أكلته الرجال دون النساء، وإن كانت أنثى بحروا أذنها أي شقوها، وتركت، فلا يشرب لها لبن، ولا تنحر، ولا تركب، وإن كان ميتة اشترك فيه الرجال والنساء، قاله عكرمة.
والقول الثاني: البحيرة الناقة التي تنجب خمسة أبطن، فكان آخرها ميتاً ذكراً شقوا أذن الناقة وخلوا عنها، فلا تُحْلَب وَلاَ تُرْكَب تحرجاً، قاله أبو عبيدة.
والقول الثالث: أن البحيرة بنت السائبة، قاله أبو إسحاق، وأما السائبة، فإنها المسيبة المخلاة وكانت العرب تفعل ذلك ببعض مواشيها فتحرم الانتفاع بها على أنفسها تقرباً إلى الله تعالى، قال الشاعر:
عقرتم ناقة كانت لربي *** وسائبة فقوموا للعقاب
وكذا كان بعض أهل الإِسلام يعتق عبده سائبة، ولا ينتفع به ولا بولائه، وكان أبو العالية سائبة فلما أُتِي مولاه بميراثه فقال: هو سائبة وأبى أن يأخذه.
وأخرجت المسيبة بلفظ السائبة، كما قيل في عيشة راضية يعني مرضية، وفي السائبة قولان:
أحدهما: أنها الناقة إذا تابعت بين عشر إناث ليس فيهن ذكر سُيِّبَتْ فلم يُرْكَب ظهرها ولم يُجَزّ وبرها ولم يَشْرَب لبنَها إلا ضيفٌ، وما نتجت بعد ذلك من أنثى شق أُذُنُها، وسميت بحيرة، وخُلِّيَتْ مع أمها، قاله محمد بن إسحاق.
والقول الثاني: أنهم كانوا ينذرون السائبة عند المرض فيسيب الرجل بعيره ولا يركب، ولا يجلى عن ماء كالبحيرة، قاله أبو عبيدة.
أما الوصيلة فأجمعوا على أنها من الغنم، وفيها ثلاثة أقاويل: أحدها: أنها الشاة إذا ولدت سبعة أبطن نُظِرَ في البطن السابع فإن كان جَدْياً ذبحوه، فأكل الرجال دون النساء، فقالوا هذا حلال لذكورنا، حرام على أزواجنا ونسائنا، وإن كان عناقاً سرحت في غنم الحي، وإن كان جَدْياً وعناقاً، قالوا وصلت أخاها فسميت وصيلة، قاله عكرمة.
القول الثاني: أنها الشاة إذا أتأمت عشر إناث في خمسة أبطن ليس فيهن ذكر، جعلت وصيلة، فقالوا قد وصلت، وكان ما ولدت بعد ذلك للذكور دون الإِناث قاله محمد بن إسحاق.
والقول الثالث: أن العرب كانت إذا ولدت الشاة لهم ذكراً قالوا هذا لآلهتنا فيتقربون به، وإذا ولدت أنثى قالوا هذه لنا، وإذا ولدت ذكراً وأنثى قالوا: وصلت أخاها فلم يذبحوه لمكانها، قاله أبو عبيدة.
وأما الحام ففيه قول واحد أجمعوا عليه وهو البعير ينتج من صلبه عشرة أبطن، فيقال حمى ظهره ويخلَّى.


قوله تعالى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} في قوله: {شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} ثلاثة تأويلات:
أحدها: أنها الشهادة بالحقوق عند الحكام.
والثاني: أنها شهادة الحضور للوصية.
والثالث: أنها أيمان، ومعنى ذلك أيمان بينكم، فعبر عن اليمين بالشهادة كما قال في أيمان المتلاعنين: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتِ بِاللَّهِ}.
وفي قوله تعالى: {اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مَِّنكُمْ} تأويلان:
أحدهما: يعني من المسلمين، قاله ابن عباس، ومجاهد.
والثاني: من حي المُوصِي، قاله الحسن، وسعيد بن المسيب، وعكرمة وفيهما قولان: أحدهما: أنهما شاهدان يشهدان على وصية المُوصِي.
والثاني: أنهما وصيان.
{أَوْ ءَاخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} فيه تأويلان:
أحدهما: من غير دينكم من أهل الكتاب، قاله ابن عباس، وأبو موسى، وسعيد بن جبير، وإبراهيم، وشريح.
والثاني: من غير قبيلتكم وعشيرتكم، قاله الحسن، وعكرمة، والزهري، وعبيدة.
وفي {أَوْ} في هذا الموضع قولان:
أحدهما: أنها للتخيير في قبول اثنين منا أو آخرين من غيرنا.
والثاني: أنها لغير التخيير، وإن معنى الكلام، أو آخران من غيركم إن لم تجدوا، منكم، قاله ابن عباس وشريح، وسعيد بن جبير والسدي.
{إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ} يعني سافرتم.
{فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ} وفي الكلام محذوف تقديره: فأصابتكم مصيبة الموت، وقد أسندتم الوصية إليهما.
ثم قال تعالى: {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاَةِ} يعني تستوقفونهما للأيمان وهذا خطاب للورثة، وفي هذه الصلاة ثلاثة أقوال:
أحدها: بعد صلاة العصر، قاله شريح، والشعبي، وسعيد بن جبير وقتادة.
والثاني: من بعد صلاة الظهر، والعصر، قاله الحسن.
والثالث: من بعد صلاة أهل دينهما ومِلَّتِهِمَا من أهل الذمة، قاله ابن عباس، والسدي.
{فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ أَرْتَبْتُمْ لاَ تَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً} معناه فيحلفان بالله إن ارتبتم بهما، وفيهما قولان: أحدهما: أنهما الوصيان إن ارتبتم بهما في الخيانة أَحْلَفَهُمَا الورثة.
والثاني: أنهما الشاهدان إن ارتبتم بهما، ولم تُعْرَفْ عدالتهما، ولا جرحهما، أحلفهما الحاكم ليزول عنه الارتياب بهما، وهذا إنما جوزه قائل هذا القول في السفر دون الحضر.
وفي قوله تعالى: {لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً} تأويلان:
أحدهما: لا نأخذ عليه رشوة، قاله ابن زيد.
والثاني: لا نعتاض عليه بحق.
{وَلَو كَانَ ذَا قُرْبَى} أي لا نميل مع ذي القربى في قول الزور، والشهادة بغير حق.
{وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ} يعني عندنا فيما أوجبه علينا.
قوله تعالى: {فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً} يعني فإن ظهر على أنهما كَذَبَا وخَانَا، فعبر عن الكذب بالخيانة والإِثم لحدوثه عنهما.
وفي الذين: {عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اْسْتَحَقَّا إِثْماً} قولان:
أحدهما: أنهما الشاهدان، قاله ابن عباس.
والثاني: أنهما الوصيان، قاله سعيد بن جبير.
{فَئَاخَرَان} يعني من الورثة.
{يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا} في اليمين، حين ظهرت الخيانة.
{مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهُمُ الأَوْلَيَانِ} فيه تأويلان:
أحدهما: الأوليان بالميت من الورثة، قاله سعيد بن جبير.
والثاني: الأوليان بالشهادة من المسلمين، قاله ابن عباس وشريح.
وكان سبب نزول هذه الآية ما روى عبد الله بن سعيد بن جبير عن أبيه عن ابن عباس قال: خرج رجل من بني سهم مع تميم الداري وعدي بن بدّاء، فمات السهمي بأرض ليس بها مسلم، فلما قدما بتركته، فقدوا جاماً من فضة مُخَوَّصاً بالذهب فأحلفهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم وجد الجام بمكة، وقالوا اشتريناه من تميم الداري، وعدي بن بدّاء، فقام رجلان من أولياء السهمي فَحَلَفَا: {لَشَهَادَتُنا أَحَقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا} وأن الجام لصاحبهم قال: وفيهم نزل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُِوا شَهَادَةُ بَينِكُمْ} إلى قوله: {واتَّقُواْ اللَّهَ وَاسْمَعُواْ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}.
ثم اختلفوا في حكم هاتي الآيتين هل هو منسوخ أو ثابت.
فقال ابن عباس حكمهما منسوخ. قال ابن زيد: لم يكن الإسلام إلا بالمدينة فجازت شهادة أهل الكتاب وهو اليوم طبق الأرض.
وقال الحسن: حكمهما ثابت غير منسوخ.


قوله تعالى: {يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَآ أُجِبْتُمْ قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنآ}.
في قوله: {لاَ عِلْمَ لَنآ} خمسة تأويلات:
أحدها: لم يكن ذلك إنكاراً لِمَا علموه ولكن ذهلوا عن الجواب من هول ذلك اليوم ثم أجابوا بعدما ثابت عقولهم، قاله الحسن، والسدي.
والثاني: لا علم لنا إلا ما علمتنا، قاله مجاهد.
والثالث: لا علم لنا إلا علم أنت أعلم به منا، قاله ابن عباس.
والرابع: لا علم لنا بما أجاب به أممنا، لأن ذلك هو الذي يقع عليه الجزاء، وهو مروي عن الحسن أيضاً.
والخامس: أن معنى قوله: {مَاذَا أُجِبْتُمْ} أي ماذا عملوا بعدكم {قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوْبِ} قاله ابن جريج.
وفي قوله: {عَلاَّمُ الْغُيُوْبِ} تأويلان:
أحدهما: أنه مبالغة.
والثاني: أنه لكثير المعلومات.
فإن قيل: فلم سألهم عما هو أعلم به منهم؟ فعليه جوابان:
أحدهما: أنه إنما سألهم ليعلمهم ما لم يعلموا من كفر أممهم ونفاقهم وكذبهم عليهم من بعدهم.
والثاني: أنه أراد أن يفضحهم بذلك على الأشهاد ليكون ذلك نوعاً من العقوبة لهم.

6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13